اهمية الصبر على الابتلاء

اهمية الصبر على الابتلاء

      الصبر

    يعرف الصبر في اللغة بأنه هو النقيض للجزع، و هو الحبس و المنع، و يقال: صبر صبرا: تجلد و لم يجزع، و صبر: انتظر، و صبر نفسه: أي حبسها و ضبطها ، و صبر فلانا: حبسه، و صبرت صبرا: حبست النفس عن الجزع، و سمي الصوم صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام، و الشراب، و النكاح، و غيرها من الأشياء المحرمة خلال صيام العبد، فتبين بذلك أن هذا الصبر هو بدوره : منع و حبس النفس عن الجزع، و اللسان عن التشكي، و الجوارح عن التشويش: كلطم الخدود، و شق الجيوب و نحوهما، و المصدر هنا هو صبر يصبر صبـرا فهو صابر و صبار و صبير و صبور، و الأنثى صبور أيضا بغير هاء و جمعه صبر. و أصل الصبر الحبس و كل من حبس شيئا فقد صبره، و تعريف الصبر من خلال كل هذا هو: حبس النفس عن الجزع.
    أما الصبر في الاصطلاح فهو أيضا حبس النفس إلا أنه يختلف عن مذا سنمنع النفس فهنا على ما يقتضيه العقل و الشرع و يطلبه، أو ما يقتضيه العقل و الشرع على النفس أن تحبسه، و من ذلك أيضا أن تحبس النفس عن محارم الله سبحانه و تعالى، و أن تحبس على فرائضه و عن التسخط لأقداره و الشكاية منها، و منه العزيمة و الثبات عند البلايا و الترفع عن الشكوى لغير الله سبحانه و تعالى من حوادث الأيام و مجريات القضاء و القدر. الصبر على الابتلاء من أحسن الأخلاق و أفضلها؛ إذ هو المانع عن الاندفاع و الوقوع فيما لا يحسن عقباه، و فيه قوة عظيمة من الجدير ذكرها تسمو بالنفس حتى تذوق حلاوة الإيمان، و من هذه القوة ما يبذله العبد المسلم في تحمل المشاق و الآلام التي يصعب على الانسان العادي تحملها، و ما يبديه من ضبط للنفس و اجتهاد في البعد عن المحرمات و المعاصي و كبت الشهوات فهي مجرد شهوات الدنيا و ابتلاءاتها مصداقا لقول الله تعالى في سورة ال عمران الآية 14: { زيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }، و عون النفس في إدراك الطاعات و تحملها و المداومة عليها، و مجاهدتها للسعيِ إلى الإحسانِ و الانصراف عن التذمر من أجل نيل رضا الله عز و جل، فكيف اصبر على البلاء؟ وما اهمية الصبر على الابتلاء

      الصبر على الابتلاء

     إن بالصبر يتحقق صلاح الفرد و فلاحه في الدنيا و الآخرة، و فيه قوة في الرأي و العقل و التدبير، و دفع لكل المكائد و الحسرات و التعثير، فهو من أقوى العبادات و أعظمِ الأخلاق و أنفعها للعبد أمام ربه جل في علاه، و هو الضامن الوحيد للثبات و دفعِ اليأس و الملل و الخيبات و الرهبات التي تصيب العبد المسلم في دينه و ماله و عرضه، و أجمله ما كان في المكروه و البلاء، و ما كان بعد خوف ليحل محل الشكاية، فلا يجزع صاحبه و لا يغم، و لا ننسى أن فيه جهاد النفس و الهوى من أجل تحصيل الأجر و العزة و السمو، و بفضله تصقل الأرواح و تزكى النفوس و تثرى العزائم، و يتحصل الصبر على الابتلاء و يتحقَق الصبر بصور جلية عظيمة في ما يأتي بيانها:

  • استشعار وجود الله سبحانه و تعالى و مراقبته للعباد: و في ذلك حرز من الإفراط في الحزن و الشكاية لغير الله عز و جل، و فيه أيضا عمق الإيمان بملكية الله للنفس و المال و الأهل و الولد و كل شيء، و بالإضافة إلى أنه المدبر و المصرف لجميع الأمور و الأحوال جل في علاه، و القادر على تغيير الحال و المآل في لحظة واحدة، و أن الكينونة بيده سبحانه يقلبها حيث يشاء، فالصبر على الابتلاء وما أراد الله عز و جل مطلوب و واجب، و موافقة مشيئته أمر محبب مرغوب، و فيه حقيقة الرضا بالقضاء و القدر و انعكاس الإيمان و التسليم و العبودية الخالصة لله وحده سبحانه و تعالى.
  • ثانيا التحليل الشامل و الواضح لحدث البلاء: ذلك من متطلبات التخطيطِ السليم و التعرف إلى السبب و المسبب ، و الوقوف على أركان الابتلاء و رسائله و ظروفه و دلائله و أحكامه، و تشرب الحدث برسائله الربانية العميقة و الإيمان بها و الإفادة ما أمكن، و تلك سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم تحمل ما يدعم ذلك و يدل عليه بالتمام و الكمال، و من ذلك مراجعة أحداث أحد و الوقوف على هزيمة المسلمين فيها، فلم يمر الحدث مرور الانصياعِ السلبي، بل كان يحمل بين طياته تحليل الأسباب و الجوانب و المسببات، ثم معالجة جوانب الضعف، والأمثلة كثيرة في قصص الأنبياء .
  • ثالثا إيمان العبد المسلم بقضاء الله و قَدره: و في ذلك تثبيت لقلوب الصالحين و تسرية عنهم، و فيه الثبات إذا حلت البلايا و المصائب و المحن، و عقيدة الإيمان الحقانية فهي مبرأة من الكسل و الخمول و الشكاية و الانحراف، و فيها اليقين بتبدل الخال و المآل بين السراء و الضراء و الخير و الشر ابتلاء من الله لا من أحد سواه، مصداقا لقول الله سبحانه و تعالى في سورة البقرة الآية 177 :{ ... وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } ، فلا نكران لدور البلاء و إرادته، بل استقامة على المنهج السليمِ في التبعية و الإيمان الصادق مصداقا لقول الله سبحانه و تعالى في سورة الحديد الآية 22-23: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ*لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } ، و عند الشدائد يزيد المرء تعلقاً بربه و يتحصل له الخير فيما أبدى و صبر.
  • الإيمان بمتلازمة قوة الإنسان و قصوره: فنحن الآدميون مخلوقات من مخلوقات الله سبحانه و تعالى العاقلة، منح العقل و الإدراك و التدبير، إلا أن فهمنا قاصر في استيعاب إرادة الله و سنته في الخلق و تدبير الكون و علاقاته و مستلزمات العباد و شؤون حياتهم اليومية، فيمضي الله ما يشاء من أقدار و ظروف و أسباب تسوق الشر للإنسان، فيظنه شرا بفهمه القاصر، فإذا تكشفت الحقائق و انتبه إلى ما هو عنه غافل، وجد الخير و الرحمةَ فيما أراد الله و علم سبحانه و تعالى، و التكليف منوط بهذه الملازمة، فلا يكلف الإنسان فوق طاقته، قال الله سبحانه و تعالى في سورة البقرة الآية 286:{ لا يكلف اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ).
  • توثيق الصلة بالله سبحانه و تعالى و الانصراف إليه و الالتجاء إلى رحمته جل في علاه: يبدأ ذلك بالاستعاذة به من كل شيطان و مشغل، ثم الاسترجاع باللفظ الوارد في كلامه سبحانه و تعالى في سورة البقرة الآية 156: { الذين إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } ، و لذلك أثر كبير في الرضا الذي يجب الغم و يدفعه و يمسك على النفس أمنها و ثقتها بربها، و مما ينفع في ذلك تلاوة القرآن الكريم و تدبر آياته العظيمات، و الانصراف إلى العبادة و الصلوات، و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر أو نزل به فزعَ إلى الصلاة، و المؤمن إن سلم في ذلك و عمل اطمأنت نفسه و هدأ خاطره، فكان لأمره الخير كله مهما تبدلت أحواله و تقلبت أوقاته، فكان أمره في السراء خير و في الضراء خير و هذه أهمية الصبر على الابتلاء.


      فضل الصبر على الابتلاء

    مما يدل على عظيم أجر الصبر و منزلته العظيمة عند الله سبحانه و تعالى اقترانه في عديد من الفضائل و العبادات في غير موضع من مواضعِ القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة لرسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم، و من ذلك اقترانه بالصلاة و العمل و الاستغفار و التسبيح و الشكر، و ليس هذا الخلق محصورا بالعباد فقط بل حتى الأنبياء وهم أعظم خلقا منا، فقد أمر الله عز و جل رسوله الكريم عليه الصلاة و السلام بالصبر منبها إلى ما كان من صبر الرسل الكرام قبله كرسول الله أيوب عليه السلام و يوسف عليه السلام، قال الله سبحانه و تعالى في سورة الأحقاق الآية 35:{ فاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } و قد أثنى رب العزة في كتابه على الصابرين بغير موضع من الآيات الكريمات من القران العظيم، و بشرهم بمحبته و حسن جزائه، قال الله سبحانه و تعالى في سورة الزمر الآية 10: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قيل في تفسير الآية من طرف أهل العلم: إنهم يزادون في أعمالهم من الثواب و الأجر فلا يحسب عليهم أصله، و قيل لدى علماء آخرين: يغرف لهم الثواب غرفا فلا يوزن لهم و لا يكال، و قيل أيضا: أجرهم بغير حساب يعني في الجنة.

  كان هذا المقال تفصيلا وشرحا لاهمية وكيفية الصبر على الابتلاء، أرجو من الله تعالى أن ينال إعجابكم وأن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضاه، والسلام.

اقرأ أيضا: ما هو فضل الاستغفار

اقرأ أيضا: ما هي طريقة الاستغفار الصحيح و صيغ الاستغفار

youness mouftakhir
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع اسلام .

جديد قسم : تساؤلات

إرسال تعليق